Navigation Menu

نقطة على السطر- هل نحتاج إلى التخلص من بعض القيود


من الأمور التي تسترعي الانتباه في انتشار وباء كورونا وتداعياته أنها كشفت لنا مدى خطورة نقاط ضعف في أنظمة البشر اليوم. وهي عيوب تنبه لها واضعوها الأوائل وتحدث عنها معاصرون، إنه الإجابة على سؤال : كيف يمكن أن نتغلب على ماهو شعبي ورائج ومحبوب إذا كان يهدد مصالحنا أو ربما بقاءنا.
لم يكن أي مما شهدناه جديداً فكل ماحدث ( كما قلنا من قبل ) كان متوقعاً ومحدداً وموضحاً بالتفاصيل قبل وقت طويل، وكان بالإمكان تلافيه. وعلى فرض أننا تعلمنا الدرس وفهمناه ونريد أن نمنع تكراره مرة أخرى فمن أين نبدأ؟
قبل كل شيء من المهم أن نعرف أن الدرس الأول الذي فهمناه هو التوقف عن الثقة العمياء في النظام ، مهما كان النظام الذي صنعناه أو كوناه كاملاً ومثالياً وناجحاً هناك دائماً شيء يمكن للفرد أن يعمله ، والإنسان هو محور هذا النظام وبجهده وعمله وتفاعله فقط يمكن للنظام أن يعمل.
لنتحدث عن شيئين هنا ، تأثير الرموز ، و سطوة التعاليم الأولى خاصة المعبر عنها بنصوص.
هناك أشياء يتسبب تكرارها والتأكيد عليها في تضخيمها وتعظيمها وتأليهها.
ربما وصل بنا الأمر إلى أن ننسى أننا نحن من صنعنا هذه المفاهيم وطورناها وروجنا لها وانتصرنا بها وفرضناها ربما.
جرى النقاش في الأسابيع الماضية عن فعالية الأنظمة الديموقراطية في الاستجابة للتهديدات الشاملة والوجودية، لنستحضر أن تأخر أمريكا في قرار دخول الحرب العالمية الثانية كان موضع شد وجذب كبير بل يعتقد أنه كان من الضروري افتعال سبب لدخولها الحرب أو ايجاد دافع مقنع لهيئاتها التشريعية يكون سبباً لدخول الحرب ولعل هذا ماكان يشغل بال الرئيس من قبيل أعطني مبرراً.
هذا الوقت الثمين الذي يضيعه السياسي أو القائد في بلد ديموقراطي ليأخذ آراء مجالس وائتلافات وأحزاب و جمعيات قد يكون هو فرصته الوحيدة للقيام برد الفعل المطلوب.
الضغط على القائد بالورقة الانتخابية قد يكون مضراً للأمة بشكل خطير.
وفي الجهة المقابلة نجد أن الصلاحيات المطلقة للأنظمة الحزبية أو التي تعطي صلاحيات شبه إلهية للقائد - إن صح الوصف - تعاني من فقدان النظام القدرة على الاستفادة من آراء الأفراد وإسهامات مواطنين مخلصين قد تكون هي كل مايلزم لتجاوز الأزمة.

يجب ألا نغفل التطور الذي حققه العالم حتى الآن ، فالأنظمة الرأسمالية أدخلت طائعة أو مكرهة الأحزاب اليسارية في منظومتها فاستفادت الأمة من انحيازها لحقوق الطبقات العاملة والأقل حظاً في التأثير، مادعم الوصول لدولة الرفاه بمفهومها الإنساني وبالتالي السعادة للأفراد الأمر الذي لم تكن الرأسمالية بمفردها قادرة على الوعد به بله تحقيقه.
والأنظمة الاشتراكية تبنت كذلك طائعة أو مكرهة سياسات اقتصادية رأسمالية رفعت من كفاءة الأعمال وأدخلت المنافسة الاقتصادية وشجعت الفردية واستفادت من النزعة الاستهلاكية لتدوير عجلة اقتصاداتها الجامدة وصولاً إلى الدولة القوية القادرة على توفير نمو اقتصادي يحقق الرفاه بمفهومه الإنساني أيضاً.
لن نشير إلى الاتجاهات اليمينية أو القومية أو الدينية فرأينا فيها منذ زمن أنها ليست سوى اتجاهات تصحيحية لمسيرة أمة ما ومؤشرات تعكس طموحات شعبية لكنها لاتحمل في ذاتها مشروعاً اقتصادياً أوسياسياً ذا أصالة وتفرد وثبات.
الأمر الذي كان على العالم أن يتفهمه ويدركه هو أهمية المواءمة بين الاتجاهين، وأن فكرة المنافسة المتوازنة بين النموذجين ربما تحمل مستقبل التقدم البشري، مع إعاقات وإشكالات تسببها الطبيعة التاريخية لكلا الاتجاهين خاصة لدى ( الأصوليين ) من أتباع كل منهما، وإخفاقات تنشأ لا محالة قد تجر لنزاعات إذا لم تنجح القوى في إدارة الصراعات الحتمية التي تولدها المنافسة.
لنعد إلى السؤال :
هل يغفل كل من النظامين إيجاد آلية للتعامل مع المواقف الطارئة والمستجدات الكبرى، ؟ وماتأثير البنية التنافسية للنظام العالمي في إعاقة استجابة الدول للأخطار الوجودية؟ الأخطار التي لا يمثل كورونا إلا فصلاً فيها ومن الواضح أن المستقبل يقول أننا في طور تلقي المزيد والمزيد من هذه التحديات. سواء من ناحية الشدة أو النوع ( ثلاثة أوبئة على الأقل ونحن في الربع الأول من الألفية نجونا منها بأعجوبة هي أقرب إلى الحظ منها إلى حسن التدبير)
منذ أن أعلنت الصين أنها في الطريق الصحيح لمواجهة الوباء وقبل أن تحقق النجاح في احتوائه فعلياً أعلنت أنها ستراجع اجراءاتها واستجابتها للتهديد بحثاً عما يحتاج إلى تقويم أو تعديل مستقبلًا ، نفس الشيء سمعناه من قادة وحكومات غربية حول ماكان ينبغي أن يكون لئلا يحصل مجددا ماكان.
الشيء الوحيد الذي يجمع بين كل القادة والسياسيين ورؤساء الأجهزة ووزراء الدفاع والإعلام و غيرهم من أصحاب القرار والرأي والكلمة، الشيءالذي يمكنك أن تراه كمشاهد أينما كنت في أنحاء العالم وبأي لغة كانت، هو شيء من الشعور بالذنب أو التساؤل عما إذا كان بالإمكان أفضل مما كان.
بالطبع سيكون لشخص في موقع السلطة و إمكانية الوصول للمعلومات الكثير ليتخذه لو كان الأمر موضوعاًأمامه بحجمه الطبيعي ووزنه الحقيقي، ولكن ربما لم يكن من الممكن فعل الكثير ، كما أنه ليس من المجدي لوم القادة لأن ماحدث اليوم ليس خطأ يمكن إلقاؤه على قائد أو رئيس ، ماحدث اليوم هو نتيجة النظام الذي تساهلنا نحن البشر في العمل به والذي فوجئنا اليوم أنه كان السبب الذي قيد مقدرتنا على رد الفعل، وأصبحنا كالمعتل الذي أهمل نصيحة طبيبه فأسرف في التدخين بحجة أن سيجارة واحدة لن تقتله، أو الطالب الذي أهمل دروسه بحجة أن ساعة لهو واحدة لن تؤدي إلى ضياع فرصته في الامتحان، ليفاجأ كلاهما بأن ماكان بحاجة إليه ليس البقاء حياً أو اجتياز امتحان بل القدرة على اجتياز ظرف طاريء قد يكون قفزة من مكان عال لإنقاذ شخص عزيز أو معلومة حاضرة للتصرف في موقف ملح.
قد يجد المؤمنون بالديموقراطية وأيضاً خصومهم المنادون بسلطة الحزب الراعي للمصلحة الوطنية أنه من المهين لهم الاعتراف بأن التكنولوجيا - وهي ما يمتلكه الطرفان - ليست قادرة وحدها على تأمين تحقق رؤيتهم للنجاح، العلم لا يعادي أحداً ولا يمكنه تحقيق طموحات مستحيلة لأن فلسفة العلم تؤكد أن الشيء الوحيد الذي يستطيع العلم تأكيده بشكل يقيني أن هناك أشياء كثيرة ليس لدينا القدرة على التيقن منها على الأقل حتى الآن، وعليه فعندما يتلقف السياسي هذه الكلمة من فم العالم ويعتقد أنها مبرر لاتباع حدسه والمقامرة آمناً من لومه على النتائج فقد عاد بالتجربة البشرية إلى الوراء زمناًطويلاً.
بنية الديموقراطية تعطي رأي الشعب وإرادة الشعب ومصلحة الشعب قيمة أعلى ولكنها لاتضع مايكفي من التدابير والقيود على وعي الشعب وتثقيف الشعب وتفترض أن الدساتير -التي هي كتب مقدسة بحكم الواقع - بإمكانها أن تعلم الناس كيفية التعامل معها. والأنظمة القائمة على سلطة الحزب ماتزال تعتقد أن تقييد المصلحة الفردية ضامن كاف للوصول لقرارات في مصلحة الشعب وأن القيادة هي في حكم الوصي على الشعب العالم بمصلحته فهل يمكن الوصول إلى متضمن للفكرتين (الفكرة ومقابل الفكرة) يمكننا من الحصول على ماهو أفضل من كل منهما على حدة؟ أم أن النظامين اختارا الجانب الاقتصادي فقط كمجال للحركة ربما لأنه أكثر شعبية وأكثر مرونة لإضفاء التعديل الذي تتطلبه المرحلة الحالية من مسيرة البشرية.
إذن فهي المشكلة الدينية مجدداً! الرموز وتفسير النصوص!
ليس هناك ما هو أكثر إغراء للبشر من الطرق السهلة، لكن من الواضح أننا في حاجة إلى تعديلات على نظامنا العالمي هذا إن لم تختطف العالم حرب جديدة ترجعنا إلى الوراء مسافات بعيدة.

0 comments: