التدوير الوظيفي فرصة لترقية الأداء العام لمنظومة
العمل
عباس محمد أحمد - عضو المجلس السعودي للجودة SQC
تحدثنا في مرة سابقة عن بعض الميزات والفوائد التي
يمكن أن تجنيها المنشأة من اعتماد برنامج للتدوير الوظيفي "Job Rotation “ وهي فوائد يمكن للمدير
المحترف أن يحقق منها أضعاف الجهد الذي يقوم به لتطبيق برنامج تدوير ملائم.
قد يكون المانع الرئيسي لدى بعض الإداريين من اعتماد
تلك السياسة هي تخوفهم من نتائج غير مأمونة العواقب لتغيير كهذا في بيئة العمل مع أن
هذا النوع من المخاوف غالباً ما يظهر لدى المدراء الذين تغيب عنهم أجزاء عملهم إما لضعف المتابعة أو لعدم
علمهم أصلاً بأمور تقع ضمن نطاق صلاحياتهم وبذلك فقد يعتبر هذا الإحجام عن مناقشة المشروع
بحد ذاته مؤشراً على ما يجري في الدهاليز الخلفية في قسم معين، ولكن ولأجل الإنصاف قد يعتبر مفهوم
التدوير مثيراً للتردد لدى عديد من المدراء خاصة في الأقسام التخصصية ففكرة اكتساب
مهارة أو معرفة على رأس العمل ومن النظراء للموظف وزملائه تطرح عدة تساؤلات مقلقة وجدية،
وأعتقد أن هذه التساؤلات هي في حد ذاتها مكسب للإدارة العليا ومهمة لوظيفة التخطيط
لديها.
الواقع أن الكثير من المديرين يعتمد على فهمه الخاص
أو اطلاعه السريع على مفهوم وتطبيقات التدوير الوظيفي، ولأن أشكال التدوير الوظيفي
عديدة ومتنوعة فقد يغلب نوع واحد منها على تفكير الإدارة أثناء التخطيط للبرنامج وذلك
ما يجعل النموذج المقترح
بعد التخطيط مليئاً بالتحفظات والتعديلات من قبل الأقسام الفنية والتخصصية.
فمثلاً هناك التدوير الوظيفي بغرض التدريب على مهارات
إدارية في أقسام مشابهة في الاختصاصات، والتدوير الوظيفي لاكتساب مهارات عامة ، التدوير
الوظيفي بين الأقسام لوظائف مطابقة في المهام ، التدوير الوظيفي لصقل المهارات اللازمة
لمستويات أعلى من التخصص، التدوير الوظيفي لتغطية الاحتياجات الموسمية من القوى العاملة
، التدوير الوظيفي لتوزيع الكادر المهني على فترات زمنية من جدول الإنتاج ، التدوير
الوظيفي للتهيئة للتغييرات الهيكلية ، التدوير الوظيفي لتفعيل القوة الوظيفية من خلال
الاستفادة من فائض قوة العمل أو المهارات، التدوير الوظيفي لغرض تقليل الضغط على وظيفة
معينة أو تجنب الإجهاد المستمر أو الخطورة، التدوير الوظيفي لتجنب أو تلافي الاستغناء
عن وظيفة بإحلالها في خط إنتاج أو حقيبة مهام لوظيفة مختلفة، والقائمة تطول سواء كان
ذلك اعتماداً على الهدف الذي تطمح إليه الإدارة واتخذت التدوير كوسيلة لتحقيقه أو اعتماداً
على نوع الخبرة والمهارة التي سيتم نقلها أو اكتسابها من خلال برنامج التدوير.
وبدل أن ينظر المدراء إلى برنامج التدوير على أنه
مشكلة يجب التعامل معها فإنه من الأحرى أن ينظروا له على أنه فرصة للنهوض بالعمل وتأمينه
ورفع مستوى الجودة الكلية لمنظومة العمل ومخرجاته.
هناك مراحل وخطوات ومعايير للفحص يمكن من خلالها
التأكد من فعالية تصميم برنامج التدوير الوظيفي وأنه ملائم للمنظمة التي ترغب في اعتماده.
وهناك شروط في بيئة العمل يمكن من خلالها معرفة
مدى جاهزية المنشأة لبرنامج تدوير. ولكن بشكل عام يمكن النظر لمعيارين أساسيين نستطع
من خلالهما البدء في مناقشة جدوى التدوير الوظيفي:
أولهما: وجود أهداف واضحة لخطة العمل فمن المهم
تحديد قائمة الأهداف لدى المنشأة أو القطاع أو الشركة ومدى تكاملها مع بعضها ووضوحها
لدى الإدارة.
ثانيهما: تصميم نظام العمل والتأكد من أنه معبر
حقيقي وواقعي عن هذه الأهداف ويحققها بكفاءة إذا تم تطبيقه بدقة، ويدخل في ذلك تصميم
الوظائف ومهامها وواجباتها والمهارات والكفاءات المتوفرة في من يشغلها.
التدوير كوسيلة لحماية البيئة الداخلية للشركة
من ضمن الفوائد التي يمكن أن تحققها المنظمة من
التدوير الوظيفي حماية المنظمة أو الشركة أو الجهة من الخداع، ومع أن هذه المشكلة ليست
لها صورة ثابتة محددة إلا أنه يمكن معرفة خصائصها المميزة وتحليل نتائجها المتوقعة.
ولنأخذ مثلاً واحداً من ذلك لتوضيح المقصود، على
فرض أن منشأة معينة تتعرض في داخلها بصورة خفية للخداع بشكل يهدد تحقيقها لأهدافها،
إذا كان نظام العمل مصمماً بعناية ليصل بالعمليات إلى تحقيق الهدف الموضوعة لأجله،
وكان العمل مقسماً وتم توزيع المسؤوليات والصلاحيات بحيث يقوم العاملون بدورهم حسب
المخطط له فإن بشيء من الجهد يمكن للإدارة أن تكتشف أي محاولة غش أو خداع وتحديدها.
ومن خلال برنامج تدوير وظيفي مصمم بشكل جيد قد تتوفر
للإدارة المفاتيح الأساسية لتحديد موضع الخلل والمسؤولين عنه.
فعندما تواجه المنظمة نشاطاً داخلياً معادياً لأهدافها
أو تواطؤا غير معلن بين فرد أو أكثر للإضرار بها من داخلها، وقد يكون هؤلاء من مستويات
إدارية متعاقبة وهو أمر في غاية الخطورة إذ يمكن أن يتم حجب أجزاء كاملة من العمل عن
المسؤولين في الإدارة، هنا يقدم التدوير الوظيفي الإمكانية لتثبيط أو تجميد أنشطة كهذه.
إحدى الوسائل السهلة والغير مكلفة والتي تعتمد على
فكرة التدوير الوظيفي؛ هي أن يقوم المدراء بفك الارتباط بين العناصر التي يتوقع أن
تحالفها يسهل وقوع الأنشطة المخالفة، فمثلاً إذا كان المدير (س) يعطي مرؤوسيه أو معاونيه
تعليمات تبدو في ظاهرها سليمة ومتوافقة مع معايير العمل ولكنه يقوم بتضمين تلك التعليمات
ما يرسل رسائل مغايرة
أو مخالفة لما هو ظاهر فيمكن من خلال إضافة موظف آخر يعمل بمثابة فاصل يقوم بمهمة إيصال
تلك التعليمات لمن يطلب منهم عادة أداؤها حيث يقوم بإعادة إصدار التعليمات بأسلوبه
الخاص وحسب معيار التواصل القياسي المتبع بحيث لا يكون أمام المرؤوسين سوى اتباعها من مصدرها الجديد. ويمكن عند ذلك معرفة
ما إذا كان أحدهم لا
يقوم بما ينبغي عليه القيام به بالصورة السليمة.
إذا تم كسر هذه الحلقة من التواطؤ المضر مع الحفاظ
على العلاقات المهنية والتراتبية الوظيفية سيقوم نظام العمل بطريقة تلقائية بأداء دوره
لتحقيق الناتج المخطط له، وسيكون واضحاً أي جهد يبذل لمقاومة هذا التغيير الهادف لمصلحة
العمل.
تأثير التدوير الوظيفي على التكوينات الفاسدة سواء
في مجموعة عمل صغيرة أو منظومة في شركة كبيرة لا يؤدي فقط إلى الكشف عن الخطأ وتحديد
من يقوم به ولكنه يتميز علاوة على ذلك بالقدرة على منعه بشكل سريع ومنع مصادره من تغذيته
واستمراره.
لذلك فقد يكون أول ما يفكر فيه المستفيدون من الوضع الراهن هو وضع العراقيل أمام نجاح فكرة
برنامج التدوير إما بتعمد تطبيقه بشكل خاطئ أثناء تجربة الخطة الأولية أو التحذير من
عواقب وخيمة ستحدث نتيجة لاستخدامه، أو حتى افتعال مشاكل أخرى تمنع من ظهور أي نتيجة
إيجابية لتطبيقه.
الكاتب: عباس
محمد أحمد
-----------------------------------------
ماجستير إدارة الأعمال Central South University
- China
عضو المجلس السعودي للجودة SQC
المنتج الإعلامي و مستشار خدمات قطاع الأعمال
الركائز للخدمات الإعلامية والتسويق
iam8abbas8@gmail.com
0 comments: