ووهان الجميلة
لم تكن رحلتي إلى مدينة ووهان 武汉طويلة
بما فيه الكفاية لأجمع الكثير من الذكريات عنها، فقد كانت محطة توقف لفترة يسيرة
عند عودتي من شانغهاي长海 . كانت إجازة صيف جميلة وكانت خطتي للعودة هي أن استقل القطار العادي في
رحلة طويلة من شانغهاي إلى ووهان بمقاطعة خوبي 湖北أو بحيرة
الشمال ثم إلى بحيرة الجنوب أو هونان湖南 المقاطعة
التي أسكن وادرس فيها
ولمن عاش سنوات في الصين كما حدث معي تشعر بأنك منجذب إلى
المكان الذي عرفته وعشت فيه فترة أطول وألفت طبائع أهله وتنقلت في جنباته ولكن وقفتي في ووهان ابقت لدي ذلك الانطباع بانني لا شك سأزور هذه المدينة
الرائعة ، فعلاوة على ردة الفعل لدى الصينيين من مناطق أخرى التي تحمل مزيجاً من
الدهشة والإعجاب تعتبر ووهان اسماً موحياً بالأمل وفرص العمل والتقدم في الحياة
لدى كثير من الطامحين من الطلاب والذين هم في مقتبل الحياة.
ربما
لم يكن مقدراً لي أن أجيب دعوة أحد الأصدقاء للإقامة فيها وربما العيش هناك كما لم
تتح لصديق آخر الدراسة جامعتها لكنها
مدينة رائعة بامتياز وستجد كثيرين ينصحون بالعمل
والدراسة والحياة فيها ربما ليس في هذه
الأوقات على الأقل فيما أظن.
أما
بالنسبة لزيارتي لتلك المدينة فلم تتح لي مواعيد القطار إلا نومة مريحة في فندق
أنيق على مقربة من محطة الانطلاق وجولة سريعة في المدينة الجميلة المليئة
بالإنشاءات والمشاريع القائمة على قدم وساق لكن وحتى أكون صادقاً مع القاريء شعرت
أن إيقاع الحياة أسرع قليلاً مما توقعت والناس على عجلة من أمرهم – ليس كما ترى في
شانغهاي بالطبع – ولكن تلك السكينة التي تمر عليك مع نسائم المساء في مدينة شانغشا
بمقاطعة هونان وأنت تتمشى بجوار نهر شيانج
على مرأى من تمثال ماو تزه دونغ أو ماو تسي تونغ كما ينطقه الأجانب في
منتصف النهر.
جميلة هي
تلك المدينة العصرية المتقدة بالحياة وأحمل في ذاكرتي الكثير من الابتسامات
الودودة من أهلها في تلك الزيارة القصيرة التي انتهت على وعد بتكرارها قريباً.
لم أتخيل أبداً حينها أن هذه
المدينة وهذه المنطقة من الصين على موعد مع حدث استثنائي مدوٍ لم يحدث لمدينة أخرى
في الصين وفي آسيا بل وفي العالم، لقد كانت تلك المنطقة التي اكتشفت فيها أولى الإصابات بفيروس كورونا
القاتل Covid-19 وانتشر في
أنحاء العالم قبل أن يتم حتى معرفة كنهه أو إطلاق تسمية له ووصل إلى كل قارة ودولة
على وجه الكرة الأرضية عدا القارة القطبية
مع أنه لم يعرف على وجه التحديد وحتى الآن متى تم التحور الأول ومتى نشأت النسخة
الأولى المعدلة من هذا الفيروس والتي حصدت أرواح أكثر من ربع مليون إنسان في بحر
ثلاثة أشهر ، ولم يعرف إلى الآن من هو الحامل الأول للمرض الذي قفز منه الفيروس
إلى أعداد لا نستطيع إلا أن نخمن عددها حتى الآن وقد لا يعرف أبداً متى ظهر وكيف
ومن هو المريض رقم 0
كورونا يضرب من جديد
في مساء أحد الأيام في يناير 2020 استوقفني خبر مقتضب عن مرض غامض
غير معروف على وجه التحديد اكتشفه عاملون صحيون في الصين، ثم عاد الخبر للظهور مرة
أخرى وبشكل مختلف هذه المرة حيث أشار المصدر إلى أن السلطات الصينية
اتخذت إجراءات
منها إغلاق منطقة اكتشاف المرض وايقاف حركة
المرور والطيران واجراءات أخرى كلها تنبيء بان المسألة في غاية الخطورة.
ولمن يعرف طريقة الحكومة الصينية في التعامل مع المشكلات والأحداث
الداخلية فليست هذه بحد ذاتها مشكلة لولا بعض التفاصيل في الخبر التي تشي بأن الإجراءات
المتخذة تعني أن الحكومة الصينية تستشعر الخطر رغم أن نطاق المشكلة محدود
جغرافياً.
نشرت بعض الرسائل للأصدقاء على أمل الحصول على المزيد من المعلومات، ولكن
يبدو أن الخبر لم يكن بمستوى الحداث المحلية والإقليمية الساخنة إلا أن رد وسائل الأخبار توالى وانتشر كالفيروس
في الساعات القليلة التالية.
كورونا نوفل Novel Coronavirus
لعل الجميع يذكر أن العدوى الفيروسية أصبحت حدثاً متكرراً في السنوات
الأخيرة، فلم تزل الضجة التي رافقت وباء إيبولا في غرب أفريقيا ، زيكا امريكا
الجنوبية ، أنفلونزا الخنازير ، سارس ميرس كورونا الجمال أو متلازمة الشرق الأوسط
الفيروسية انفلونزا وقبل ذلك انفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور ، ولعل الناس
توقعوا أن هذه الأمراض ستصبح حدثاً متكرراً بين فترة وأخرى وأن السلطات والمنظمات
الصحية ستكون منتبهة إلى ذلك وأن العالم سيتقبل التضحية ببعض الضحايا من المصابين
الأوائل لحين يكتشف العلاج خلال شهر أو شهرين. ولكن ما حدث كان انقلاباً
دراماتيكياً وتجاوز كل توقعات الكثر تشاؤماً في العالم، أثبت فيروس كورونا الجديد
أنه نسخة أكثر خطورة وعدوانية وشراسة من كافة الأشكال الأخرى، والأسوأ من ذلك أنه
قادر على أن يتسلل بخفاء ويصطاد أكبر عدد من الضحايا البشرية في شباكه قبل أن يجذب
شبكته ويخنق ضحاياه حتى الموت، منظر مريع حين ينهار الضحايا الواحد تلو الآخر ولا
ينتبه من يقوم بإسعافهم أنه مصاب أيضاً بالفيروس وأن أمامه دقائق معدودة
ليسقط مثلهم لا حول له ولا قوة وقد يكون
هو مصدر العدوى لهم. هذه الآلية الفريدة والغامضة لفيروس كورونا الجديد الذي أطلق
عليه العلماء وسط دهشتهم وارتباكهم أسماء تفصح عن صدمتهم به أكثر من أن تصف
الفيروس كورونا الجديد – المستجد – نوفل
Novel Coronavirus التي يمكن ترجمتها بالجديد أو الفريد أو غير
المتوقع، غير المألوف الاستثنائي ولقد
كان استثنائياً وغير متوقعاً بالمرة وإن كنا نأمل ألا تظهر فيه معاني أخرى تحملها تلك الكلمة فيصبح قصة طويلة لم تتكشف بعد معالم نهايتها.
(COVID-19) 新型冠状病毒
المعلومات عن فيروس كورونا أصبحت في كل مكان برغم أنه ينتمي لعائلة
معروفة من الفيروسات تعرف عليها العلماء منذ عقود في ستينيات القرن العشرين فكورونا
فصيلة كبيرة من الفيروسات التي يمكن أن تتسبب في أمراض للبشر، coronaكلمة تعني التاج أو الهالة، حيثُ يُشير الاسم إلى المظهر المميز
لجزيئات الفيروس والذي يظهر عبر المجهر الإلكتروني، وهو فيروس حيواني المنشأ،
وأنواعه كثيرة ، فيروس كورونا البشري NL63،فيروس كورونا البشري HKU1،فيروس كورونا القنفذي (EriCoV)، coronavirus HKU4، و تنتشر فيروسات كورونا HCoV-229E و-NL63 و-OC43 و-HKU1 باستمرارٍ
بين البشر، وتسبب عدوى في الجهاز التنفسي لدى البالغين والأطفال في جميع أنحاء
العالم.
عام 2002 سارس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) SARS-CoV، وفيات تقترب من 10٪ للمصابين،عام 2012 متلازمة
الشرق الأوسط التنفسية MERS-CoV كورونا الابل
42.5% نسبة وفيات للمصابين، ثم النسخة الأحدث الجديدة فيروس كورونا الجديد COVID-19( novel)2019- )nCoV
سُجلت حالات العدوى الأولى بفيروس كورونا المستجد بين البشر الذين
يخالطون الحيوانات المصابة مباشرة، فإن معظم الحالات الأخيرة المصابة بفيروس
كورونا المستجد نتجت عن انتقال العدوى فيما بين البشر أنفسهم.
من
الحيوان للبشر – للبشر
حسب المختصين فإن هناك أنواعاً كثيرة من
الفيروسات، يمكن التمييز بينها من خلال تركيبة الحمض النووي الدي إن إيه أو آر إن
إيه للتمييز بينها
الحمض النووي الريبوزي "آر إن أيه"، يمثل مادة الفيروس الوراثية. وخلافا للدي إن إيه،
فإن RNA يتيح للفيروس التحور وراثيا بسرعة، وهذا يساعده على اكتساب القدرة على
التنقل من الحيوان للبشر أو العكس، أو تغيير خصائصه مثل قدرته على الانتشار وحدة الأعراض.
وبالنسبة لعلم الأحياء التطوري فإن الفيروسات هي ساكنة الأرض الأساسية
التي ترافقت مع نشوء الحياة والبشر وبقية الكائنات المتطورة ضيوف على كوكب توجد
فيه الفيروسات لمئات الملايين من السنين ، الفيروسات كذلك هي جزء من بنية الحياة
وتكويننا البشري يحتوي على أحماض نووية لفيروسات اندمجت في حمضنا النووي مع
التطور، وقد نكون نحن – البشر الذين يعيشون على الأرض اليوم – الذين نجونا من
فيروسات ضارية أخرى قضت على عمومتنا الذين لم يتمكنوا من صد هجمات فيروسات قاتلة
بينما نجا آباؤنا وأمهاتنا ليورثوا جينات قادرة على مقاومة الفيروسات التي قتلت
إخوتهم، ولأن الفيروس كائن ذكي قابل للتكيف والتحور للبقاء فهو يغير نفسه باستمرار
، وهو أمر معروف لدى المختصين حتى في فيروسات الانفلونزا الموسمية المعتادة التي
تتغير باستمرار ولذلك تتغير أدويتها بشكل دائم. المزيد هنا:
حسناً؛ لدينا مرض سببه فيروس حيواني المصدر تمكن بشكل ما من تطوير
طريقة للانتقال إلى البشر ويكون الانتقال أساسًا بين الأشخاص أثناء الاتصال المُباشر عبر الرذاذ التنفسي الناتج
عن العطس والسعال، وتتجاوز نسبة العدوى فيه الرقم 1 ( وهو معيار يبين سرعته في
الانتشار) ، ويمكن أن ينتقل حتى قبل ظهور الأعراض على ناقل العدوى ، ولا يوجد لقاح
أو علاج أو مصل معروف للتعامل معه، ونسبة الوفيات الناتجة عنه تزيد عن 2% وأساليب
الكشف عنه تم تطوير بعضها حديثاً ويسعى العلماء إلى تطوير أساليب تشخيص أكثر سرعة
وكفاءة وفعالية. تحور أكثر من مرة منذ ظهوره قبل شهرين إلى نوعين SوL و حسب بعض المختصين هناك
أربعة أنواع حالياً .
نحن أمام مرض قاتل – مباغت – قابل للتغير- لا
علاج له حتى تاريخ كتابة هذه المعلومات – النصائح في التعامل معه هي الوقاية
والعزل وعدم المخالطة بالأساس مع توجيهات وتعليمات ( تؤخذ فقط من السلطات الصحية
المحلية أو منظمة الصحة العالمية ، ويتم تحديثها منهما ، أو من المختص المرخص رسمياً
بمزاولة المهنة في سياق مهني، بمعنى استشارة طبية مهنية)
الصدمة
ربما لم يدرك الكثيرون مقدار الصدمة التي أصابت
العالم جراء هذا الفيروس ربما لأننا لانزال نتلقاها الآن، الأمر لبعض الناس
والكيانات والدول أشبه بسقوط حر نحو الكارثة ربما لأنه لم تحن بعد لحظة الارتطام،
والتبعات التي سيترتب عليهاالاصطدام قد
تفوق خسارة الوفيات والإصابات إنه تغيير شامل وكامل وعميق في كل مناحي الحياة وكل
جوانبها، ومنذ اللحظة التي غادر فيها الراكب الأول حاجز العبور في منفذ المغادرة
أخذ العالم نفساً قد تمر فترة قبل أن يستعيده مرة أخرى ، وذلك ماقد حصل حين غادر
المسافر رقم 0 بوابة المغادرة.
يتبع..
عباس محمد عباس جدة 2020
阿巴斯
0 comments: