Navigation Menu

فيروس كورونا..تداعيات الانتشار-(2-10) ماكان بالإمكان Coronavirus

هل كان بالإمكان أفضل مما كان ؟




في اللحظة التي شعر فيها أول مصاب بفيروس كورونا كوفيد 19 بأنه ليس على ما يرام كان حاملون آخرون للفيروس قد اجتازوا بالفعل إجراءات الوصول في وجهاتهم النهائية، وربما كان مصاب آخر يقضي أمسية لطيفة مع عائلته ويشرب كوباً من الشاي الصيني وقد ألصق قدميه بالقرب من مدفأة  أسفل مائدته، لم يستغرب تلك القشعريرة المتكررة التي تسري في بدنه فلا يمكن لأحد أن يكون متطلباً أكثر من اللازم في شتاء هوبي البارد وكثيرا ما يكون كل ما عليك فعله هو الانتظار حتى تتدفق بعض الحرارة إلى جسدك المتعب.

وفي ذلك الوقت؛حاملون آخرون للفيروس مروا بكل سلاسة من مركز تفتيش على منفذ سفر آخر وربما بدوا أكثر صحة ونشاطاً من الذين يراقبون مرورهم، المتعبون منهم ومن قضوا يوماً شاقاً في العمل كان كل مايهمهم هو كيف يبدو منظرهم أفضل كأي شخص يدلف إلى ردهة مليئة بالأضواء ويبادل الآخرين النظرات. موظفو الأمن ومسؤولو الجمارك والعملاء الأمنيون المنتشرون في ساحات المطار كأشخاص عاديين جل اهتمامهم منصب على موظفي الرقابة الذين يتابعونهم أما الذين يقفون خلف شاشات كاميرات المراقبة فكانوا يبحثون عن أشيائهم الطبيعية عن شيء غير طبيعي هنا أو هناك إن استطعت أن تعرّف لي ماليس بطبيعي! آخرون يبحثون عن أي وجه مألوف يشبه أحداً من مجموعة ضخمة من المطلوبين عُلقت صورهم في الخلف  حتى بدت كشجرة وارفة في مشهد يعطيك فكرة عن حدود توقعاتنا نحن البشر عن الخطر، حتى ذلك الشخص المشتبه به المثير للارتياب الذي مضى يقدم رجلاً ويؤخر أخرى كان في الحقيقة  أحد الخجولين الانطوائيين الذين يرتبكون عندما يجدون أنفسهم وسط مجموعة كبيرة من الناس، وقد كان تركيز الموظف حين اشتبه به منصباً على الحقائب التي معه فاحصاً إياها بالأجهزة المعدة للمسح الأمني باحثاً عن أجزاء معادن أو أدوات خطرة أو شيء قد يهدد سلامة الركاب، .
يتعالى صراخ طفل وضحكات مجموعة من الشباب يلبسون سترات متطابقة يبدو منها أنهم أفراد فريق رياضي مسافر إلى دورة أو مسابقة رياضية، استولوا على انتباه الحاضرين لوهلة حتى تعالت أصوات النداء لرحلة أخرى فهب حوالي 50 شخصاً وتدافعوا على طاولة  موظفة الخطوط الجوية التي نزعت سماعتها بفزع وهتفت تنادي زميلها الذي جلس هادئاً خلف زجاج المبنى الخارجي يحتسي كوباً من القهوة وكأن الأمر لا يعنيه.

لك أن تتخيل عشرات المشاهد التي نراها كل يوم ونحن مسافرون أو عائدون لكن الذي لم نره ومن المرجح ألا يراه أحد هي اللحظات التي مر فيها مسافرنا محملاً بالقنبلة المجهرية التي سيدوي صداها قريباً في أرجاء المعمورة.

أما المصاب الأول فهو يشعر بدوار خفيف وسعال جاف وزوجته تسأله بقلق عما أصابه، المصاب الثاني وقع متشنجاً وسط أصدقائه، ثلاثة أشخاص أمام بوابة الطوارئ في المستشفى والطبيب الذي يرتدي القفازات الطبية ينظر حوله بقلق ويخفي توتره خلف الكمامة الطبية ، أي شيء هذا يا إلهي !

تمر الدقائق البطيئة وخلال ساعات تمتليء الممرات بأكثر من حالة مشابهة في الأعراض، ويبدأ الموظفون بالاتصال بآخرين، أما الطبيب " لي وين ليانغ " فقد شعر بشعور قوي في داخله أنه يجب أن يحذر من هذا الوضع الغامض والتقط هاتفه مباشرة وأرسل تحذيراً إلى زملائه الأطباء من أن هناك شيئاً غريباً يبدو أنه السارس مرة أخرى وأن عليهم الحذر وارتداء  ألبسة واقية ,أن سبع حالات تظهر عليهم أعراض خطيرة.


ولسوء حظ العالم لم يأخذ الرقباء تحذيراته على الوجه الصحيح، واعتبر الشخص السيئ المتهور الذي سيؤدي إلى مزيد من الارتباك والفوضى، وربما – لو كان في الشرق الأوسط – اعتبر المتحذلق المتعالم الذي يرى أنه أكثر فهماً وذكاء من الآخرين،  ما يطرح السؤال ؟ ما الذي كان على أي شخص أن يفعله وما هو واجبه المهني والوطني والإنساني في تلك اللحظة وهل إذا حصل موقف مشابه لأي طبيب بل وأي متخصص أو محترف في أي مجال مرة أخرى فماذا يجب عليه أن يفعل هل يكرر ما حصل من هذا الطبيب أم يتصل بجهاز الأمن الوطني في كل مرة يلاحظ أن مريضاً أو أكثر بدت عليهم أعراض تختلف عما يحصل كل يوم وهل سيفهمه هؤلاء أم سيكون عليه أن ينتظر حتى تعلن منظمة الصحة العالمية الوباء؟ في الحقيقة أنا لست طبيباً ولكن يهمني معرفة الإجابة على السؤال، كلا .. بل أريد أن تقول كل جهة مسؤولة في العالم وفي كل بلد وصل إليه الفيروس أو لم يصل وبالتحديد ، ماذا عليكم أن تفعلوا في هذه الحالات ؟! 
كتب الطبيب التعهد بالتعاون، وعاد إلى عمله وماهي إلا مدة يسيرة حتى  أصيب بالفيروس ،وعانى تلك المعاناة الرهيبة التي عرف الناس عنها لاحقا عندما تحدث بعض من  نجوا من المرض ، ولكن هذا الطبيب لم يتمكن من النجاة ومات !

حسب موقع BBC الإخباري حذر الطبيب الشهيد لي وين ليانغ زملاءه في الثلاثين من ديسمبر 2019 ،بعد أربعة أيام زاره مسؤولون من مكتب الأمن العام وطالبوه بالتوقيع على خطاب نصّ على اتهامه "بالإدلاء بتعليقات غير صحيحة" ترتب عليها "إخلالا جسيما بالنظام العام" بتهمة "نشر شائعات".

وفي نهاية يناير2020، نشر وينليانغ نسخة من الرسالة على موقع "ويبو" وشرح ما حدث. وفي غضون ذلك، قدمت السلطات المحلية اعتذارا له لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة جدا.
لن أعلق الان على اعتراض بعض القراء على استخدامي وصف الشهيد للدكتور لي وين ليانغ ، فسأتناول هذا الموضوع في حلقة أخرى تحت عنوان " الجهل المقدس" فلينتظروا نصيبهم، ولكن لنعد إلى ماحدث ولنتجاوز تفاصيل الوقائع ولنتحث عن تأثيرها في الواقع، فهل كان بالإمكان – فعلاً- أفضل مما كان ؟

في عام 2015 نشرت في الأخبار حادثة تسمم اكتشفت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلت العدوى إلى حوالي 20 ولاية أمريكية ما حدا بالسلطات إلى التحذير من ذلك بعد أن نقلت عشر حالات إلى المستشفى نتيجة الفحوصات التسمم ببكتيريا ايكولاي  وكلفت هيئة مراكز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة، ووزارة الصحة، والهيئات الصحية المحلية، فريقا من المفتشين للبحث في أسباب تلك الإصابات، وكان هدفهم البحث عن مصدر التسمم والتعامل مع أصل المشكلة، وهنا يظهر المختصون في هذا المجال وهم المفتشون الغذائيون أو مفتشو الصحة العامة وهم موظفون يتبعون إدارة التعامل مع الأمراض المنقولة بواسطة الأغذية، والمياه، والبيئة، ومكافحتها، ويرتبطون بهيئة مراكز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة، وعلى غرار المفتشين الجنائيين أو الأمنيين يقوم هؤلاء بتتبع البيانات والمعطيات والتحقيق مع المرضى والمصابين بحثاً عن أنماط متكررة تدل على منشأ المشكلة ومصدرها.

في تلك الحادثة يقول المفتش الغذائي: "لم يسفر استجواب المرضى عن أي أدلة تفيدنا في الوصول إلى أسباب العدوى". لكننا اكتشفنا شيئا غير معتاد، وهو أن نحو 80 في المئة من المصابين كانوا من النساء.
وباستخدام تقنية الحمض النووي للعينات تمكنوا من معرفة أن مصدر جميع تلك الإصابات التي توزعت في مختلف الولايات التي سجلت فيها الإصابات هو واحد.
نفس الشيء عندما تقول السلطات الصحية أن عدوى الحالات الجديدة  من إصابات فيروس كورونا هو إيران وأن الحالة الأخيرة التي تم تسجيلها قبل يومين كان مصدرها شخص قادم من خارج الصين وعندما قالت الحكومة الأمريكية أن مصدر 21 إصابة بفيروس كورونا كانت لمسافرين قادمين من الخارج وبالتحديد من مصر، مادعا السلطات المصرية إلى التحقيق في وجود الفيروس على أراضيها.
أما في حادثة التسمم الأمريكية 2015 فقد وجد المحققون من خلال عملية طويلة ومضنية من الاستفسارات والأسئلة عن عادات الطعام لدى المصابين أن أولئك النسوة كن ممن يخبزن المعجنات في المنزل وقادت الأسئلة إلى أنهن استخدمن نفس النوع من الدقيق، وقاد الدقيق إلى الشركة التي وجهت إلى المطحنة التي تورد الدقيق.
https://www.bbc.com/future/article/20170627-the-detectives-who-investigate-food-poisoning-mysteries
ويمكن للمختص أن يضيء الفارق الذي يمكن أن نتوقعه  بين عدوى أو تسمم لبكتيريا وبين عدوى فيروسية من حسن حظ البشرية أن تكنولوجيا  الحمض النووي  كانت متاحة بين أيدينا ما سمح بتتبع الفيروس إلى سوق المأكولات البحرية في ووهان  وقام المختصون بعزل الفيروس وفك خارطته الجينية وجعلها متاحة للعلماء في أنحاء العالم عبر الانترنت.

لا يمكننا إلا استشارة المتخصصين حول مدى إمكانية أن تتم هذه السلسلة من العمليات  بالسرعة المطلوبة بحيث يمكن احتواء الفيروس في مهده ، ولكن من الواضح التنبيه قبل شهر أو شهرين كما تمنى الرئيس الأمريكي من الصين لم يكن من الممكن أن يحصل بحسابات البشر حسب ما تطالعنا به وسائل الأخبار والحق أن ماقامت به السلطات الصينية لم يكن بالإمكان أن تقوم به أي حكومة أخرى على هذا المستوى الكبير من الاستنفار والاستجابة كما سيظهر معنا في الحلقات القادمة، ولسنا في الحقيقة بحاجة إلى أن نرجع بذاكرتنا إلى أحداث مشابهة ولكن أعود هنا مرة أخرى إلى فكرة أن عملية التحور المستمرة والدائمة التي تحصل لهذه الكائنات دون الحية التي هي الفيروسات وأن للبشر تاريخاً طويلاً من الصراع معها ومن يدري ربما أن فيروساً آخر لم يظهر إلى السطح لأنه (غير رأيه) في آخر لحظة ، أو ظهر في الوقت غير المناسب أو أنه قضى على كل مضيف وصل إليه بصورة  اوقفت انتشاره. إنها معركة الموت والحياة التي لم تتوقف ولن تتوقف ولكن بالعودة إلى المكان والزمان مازلنا بحاجة إلى أجوبة، فالعالم يريد متهماً مرئياً ( ماثلاً للعيان ) يمكن اتهامه ولومه وعقابه أو تحميله المسؤولية. فلا أحد يريد ان يدخل في جدل حول كائن لا يرى إلا بمجهر الكتروني ، ومن الصعب أن تقنع الجمهور اليائس القانط الفزع أن هذه الأرقام والرموز هي كل مانعرفه عن العدو الذي قلب حياتهم رأساً على عقب: ( فيروس كورونا نوفل 2019.

"https://www.ncbi.nlm.nih.gov/nuccore/MN908947
الناس يريدون متهماً يرى بالعين والتهمة حامت حول ثلاثة حيوانات برية كان يعتقد إلى وقت قريب أنها مصدر الفيروس ، الثعابين والخفافيش وآكل النمل الحرشفي البري وجميعها كانت تباع في سوق ووهان للمأكولات البحرية 武汉华南海鲜批发市场


وعلى الرغم من أن اسم السوق هو سوق ووهان للأكلات البحرية إلا أنه معروف أنه يتم فيه بيع الحيوانات البرية حيث لدى الصينيين قائمة طويلة من الكائنات البرية والداجنة والمستأنسة  التي تؤكل بشكل طبيعي إضافة  إلى كائنات أخرى يتم استخدامها بشكل واسع في الطب الصيني التقليدي، والحقيقة أنك لن تجد من يلومك على أكل حيوان أو كائن في الصين إذا كنت تعرف كيف تطهوه جيداً، ولم تكن السلطات الصينية تتعامل مع هذا الموضوع بكثير حساسية عدا بعض الحالات المتعلقة ببعض الحيوانات تحت ضغط من الجمعيات والمنظمات المهتمة بالحيوانات إلا أن وباء كورونا الذي أبرز الموضوع للسطح خاصة مع عدم وجود علاج له حتى وقت انتشاره دفع الحكومة الصينية إلى حظر البيع والاستهلاك غير القانوني للحيوانات البرية واستصدرت قانوناً بذلك. أما بخصوص الفيروس فلا يدرى على وجه التحديد هل كانت الحالات التي وصلت إلى المستشفى هي الحالات الوحيدة التي حددت مصير العالم  أم أنها إحدى الفرص الضائعة التي أجلت إطلاق صافرة الإنذار ولكن كوفيد 19 لم يضع الوقت واستثمر تلك الساعات أو الأيام الثمينة حيث انفلت من بين أصابع المسؤولين في ووهان و كان كل ما يحتاج إليه هو عدد من الأجساد المضيفة يستخدمها كمنصات للانقضاض على أكثر من 11 مليون نسمة من الأمواج البشرية هم ساكنة ووهان التي تتنقل بأمان دون وعي لما تخبئه لها الأيام القادمة مفاجآت مرعبة.
يتبع..



.

0 comments: