نظريات المؤامرة
إلى اليوم وبعد حوالي ثلاثة أشهر على انتشار وباء فيروس كورونا كوفيد 19 في أنحاء العالم ماتزال فكرة المؤامرة مثيرة للجدل على أكثر من مستوى ، وربما لن ينتهي الحديث عن ذلك في وقت قريب فهناك العديد من الحوادث على مر التاريخ ورغم الزمن الطويل الذي يفصلنا عنها تجد كل يوم كاتباً او مؤلفاً يضع لك تصوراً
عن المؤامرة التي كانت السبب في تلك الحادثة وعن المتآمرين من أصحاب المصالح الذين ساهموا في التخطيط لها واستماتوا في
الدفاع عن الرواية السائدة وكيف اختفى الشهود والعالمون ببواطن الأمور في ظروف
غامضة.
هل السبب في انجذابنا إلى فكرة المؤامرة هو تلك السمة التي يتميز بها البشر وهي القدرة على التخيل ونسج قصص وأحداث و
روايات خلف كل ظاهرة وموقف!، أم هي الصدمة الهائلة التي تلقاها العالم عندما رأى الناس أن عالمهم الحديث المتطور الذي أصبح كل شيء فيه قريباً وممكناً وقابلاً للتوقع أصبح ومن دون مقدمات هشاً ضعيفاً، وغدا سكانه مسلوبي الإرادة لا يدرون إلى أين يتجهون؟! ففضلوا الإيمان بأن كل
هذا غير حقيقي وليس سوى خدعة.
رأينا الكثير من الناس يلجأ إلى الإنكار ويرفض الحقائق الماثلة أمام
عينيه وما يحدث اليوم هو مجرد مثل آخر. المشكلة أنك لا تستطيع أن تجد مستفيدأً من
الوضع الذي وصل العالم إليه اليوم، فهل بدأت كمغامرة صغيرة واتسعت ولم يمتلك
المتآمرون القدرة على إيقافها فتركوا العالم ليواجه مصيره.
أعجب ما سمعت في هذا الموضوع كان مداخلة لطبيب في برنامج حواري تساءل
فيه هل رأى أحد منكم مصاباً بالفايروس هل تعامل معه هل كل هذه الضجة هي حقيقة ماهي
عليه، تساءل الطبيب مع أنه كان الضيف الذي جيء به في هذا البرنامج ليشرح للناس كيفية الوقاية من
العدوى والتعامل مع الانتشار المخيف للفيروس، الطبيب ذكر صراحة أنه يعتقد أن كل
ذلك حقيقي لكن الغريب هو كيف وصلنا إلى هذه اللحظة. فالطبيب ربما كنوع من اختبار
الواقع الغير مؤكد بدأ يتساءل عن كل شيء من البداية ، هذه التقارير والإحصائيات
والعروض التوضيحية المصممة بالكمبيوتر لشرح آلية عمل الفيروس وطرق العدوى تلقيناها من دون أن
نشارك في صناعتها أو نكون حاضرين أثناء وقوعها، أفلا يمكن أن تكون الأعراض
والظواهر التي يشاهدها هو في المستشفى ناتجة عن شيء آخر أراد المتآمرون أن يخفوه.
هل من المنطق أو العقل أن يلزم الناس بيوتهم ويمنعوا من الخروج ولا
يتواصلوا إلا من خلال شاشة تلفزيونية صغيرة وخط هاتفي مع أشخاص هم كذلك معزولون في
بيوتهم لنفس الغرض وبنفس الطريقة. ( لاحظ أننا نتكلم عن حوالي أربعة مليارات إنسان
بل أكثر).
هذا السؤال الأخير هو رأيي سؤال يستحق أن نفكر فيه ملياً ليس لأن هناك مؤامرة
ولكن لأن هناك حدودا لما يمكن أن يتقبله العقل بدون دليل ملموس ، أو ولأكون دقيقاً : هناك حدود
لما يمكن أن يقبله مليون إنسان بدون دليل ملموس وهنا أعود للنقطة الأولى.
الواقع أننا علاقاتنا وطبيعة تشابك أعمالنا أصبحت معقدة لدرجة أنه من الصعب أن يدرك أي منا الصورة بكاملها بتفاصيلها وأصبح الفرد في المجتمع المتقدم مضطراً إلى تقبل عدم معرفته بالتفاصيل طالما أن الأمور تسير وفق ماهو متوقع ومخطط له، فليس ضرورياً أن تعرف مباديء عمل المحركات النفاثة حتى يمكنك السفر بالطائرة، وأنت مضطر بصورة أو بأخرى أن تقبل الأمور ظاهرياً وأحياناً - وهو ملمح الخطر- أن تأخذ مؤشرات إقبال الناس على شيء ما لتحكم عليه أنه آمن. ووسيلتك في ذلك هي جهاز الكتروني محمول يعمل بإشارة لاسلكية، وهل يمكن أن تكون أكثر يقيناً مما تراه بعينيك؟! اللهم لا.
لو كان هناك شيء يجعلني أتساءل عن وجود ملامح من مؤامرة أو مجرد تفاهم
مبدئي بين أكثر من طرف لامؤامرة كاملة، أو لنقل شيء غريب لم يفسر بعد أو مثير للاستغراب-
فذلك الشيء لن يكون حجم التغيرات التي حصلت في العالم بعد انتشار الوباء ولا الفزع الذي عم البشرية في كل مكان بسببه ولا الإغلاق الذي أوقف الحياة في
الضواحي والمدن والدول عبر القارات، وليس المقاطع المصورة و فيديوهات المشاهير والشخصيات المعروفة التي تناولت
الحدث، ذلك الشيء سيكون هو طريقة تصرف الدول المؤثرة التي تشكل اليوم سياسات العالم وتهيمن على اقتصاده و
أهم قراراته وترسم اتجاهاته مع الحادثة، واتحدث هنا عن انتشار المرض في أوروبا
وبالتحديد في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وأسبانيا وألمانيا فمن ناحية كانت ردة
الفعل لهذه الأنظمة التي هي المنتجة للمعرفة والمؤثرة في العالم والتي تعمل من
خلال مؤسسات متخصصة وشبه مستقلة ردة فعل جد غريبةوغير متوقعة ، وما يزيد في
غرابتها أن الإنذار بالكارثة المقبلة لم يكن تحذيرا غامضاً أو مشكوكاً فيه بل تلقوا تحذيرات صريحة وأدلة ملموسة ولم يكن
متوقعاً من أجهزة هذه الدول التي تتعامل
بحذر مع أمور أقل مما حدث وضوحاً وخطراً بطريقة صارمة. وما يجعل هذه الملاحظة
مثيرة كذلك للدهشة أن هذه الأخبار أذيعت في أنحاء العالم وليس كما يقال انه لم تكن
لديهم فرصة ( اعني لاحتواء المخالطين الأوائل) فعلى سبيل المثال تمكنت إحدى الدول الأوروبية من
تتبع المصاب الأول ومن خالطه من الناس (حوالي
16 فرداُ) وتم إغلاق المشكلة لولا أن الحالات الجديدة التي جاءت بعد ذلك نشرت
الفيروس في نطاق أوسع تعذر معه احتوائه ربما حتى لحظة كتابة هذه السطور. ونفس
الشيء يقال عن الدول المجاورة لها، ولكن الأغرب من كل هذا هو موقف الولايات
المتحدة الأمريكية التي كانت واثقة بشكل غريب -في البداية - أنها بمعزل عن أي تأثير للمرض! فكيف
لم تتعلم الدول من تجارب من سبقها وتلقت الصدمة في استسلام غريب! الأغرب من ذلك
أن قصة الفيروس ومواصفاته وأعراض الإصابة به وتأثيراته كانت معلنة وواضحة للكل وكان معدل
انتشار المرض وشراسته في العدوى وتركيبه الجيني ربطه بالمخالطين وكل ما تحتاجه
سلطات أي بلد لتحمي حدودها ومنافذها بالطريقة المناسبة لكبح سرعة انتشار المرض
التي نراها اليوم كل ذلك كان متاحاً للجميع في جميع أنحاء العالم فماسر هذا التأخر
الغريب؟!.(1) قصة الفيروس وانتشاره كانت في غاية البساطة ومنتهى الوضوح ومفهومة من قبل أي
إنسان كان كبيراً أم صغيراً متعلماً أم جاهلاً فهل هذا أمر شائع في تاريخ الكوارث
والأزمات في التاريخ؟ أن تحدث جائحة بهذا الحجم يمكن وصفها في سطرين اثنين؟! ألا
يوجد على الأقل شيء من اختلاف وجهات النظر؟!
الأمر الآخر هو غياب أي دور أو مشاركة لأجهزة الاستخبارات العالمية
برغم حجم التهديد الذي يمثله انتشار الوباء على كل المصالح التي يهم هذه الأجهزة
الدفاع عنها لمصلحة بلدانها، ذلك الدور الذي رسمته أفلام السينما في أذهان وعقول
الجماهير في أنحاء العالم ولكن مجدداً لا شيء ظاهر البتة، سوى الاستيلاء على شحنة
من الكمامات الطبية وتحويلها إلى بلدانها.
حسناً لنترك مسألة المؤامرة المدبرة جانباً ولنسأل السؤال التالي:
أليس من المتوقع أنه وفي لحظة معينة ( وهو الأمر الذي كان واضحاً
للبعض في الأيام الأولى للانتشار) أن المخططين الاستراتيجيين قد أوعزوا إلى
حكوماتهم أن الوضع حسب المعطيات في حكم الخارج عن السيطرة وأنه من المنطقي أن نخطط
لما بعد الجائحة ونحصي النقاط المتبقية بعد انحسار الموضوع ونحدد ما نرغب في عمله
؟
إذا كانت ذاكرتك عادية مثل ذاكرتي فلا شك أنك تتذكر الخطابات
والحوارات والمناظرات والتصريحات التي أطلقها السياسيون قبيل أو أثناء أو بعد
انتخابهم أو تعيينهم في مراكزهم كقادة للعالم وهم السياسيون أنفسهم الذين بدوا
فاقدي الحيلة ومشلولي الإرادة ومترددين في القرارات، فهل من الممكن أن تحول الصدمة
مجموعة من الأشخاص المتباعدين والمختلفين عن بعضهم في كل شيء تقريباً إلى التصرف
بأسلوب واحد. من الممكن أن يكون ذلك ولكنها ستكون المرة الأولى فيما أعتقد.
لن
أستعرض نظريات المؤامرة التي تم طرحها من المعلقين والنشطاء أو تطرقت إليها وسائل
الإعلام التي يحرص موظفوها أن يظهروا
أذكياء دائماً حتى وإن تطلب الأمر إعطاء المواضيع معنى اكبر مما تستحق، ولكن أعتقد أنها نقطة جديرة أيضاً بالتتبع وقد
تعطينا تصوراً عما يريد قادة العالم تجنبه، من يدري؟
----
(1)
----
(1)
experts have described the disease as less severe than Sars,
which was fatal in about nine per cent of cases, but more deadly than the
common flu.
0 comments: